حـتى أكون صادقا مع القارئ الكريم ؛ ذاك القارئ المفترض؛ أن هـذا الموضوع وضعـناه كبرولوج لنص مسرحي؛ قــيد الطبع إلكترونيــا تحت عنوان [حبــال الرحيل] والنص أساسا ليس تطبيقا لما هو أدناه بل استحضار لبعض المبدعين المغاربة ( حوري الحسين/ كريم حوماري/ عبد القادر الحافوي/ سعيد الفاضلي) الـذين انتحروا ؛ وفي نفس السياق ؛ محاولة لإعـادة النقاش حول إشكالية الانتحار الذي تفاقم بحـدة وشدة في السـنوات الأخيرة ؛ وخاصة في الـعالم العربي / الاسلامي.. .. !!
المــوضوع :
الإنـتحــار ظـاهـرة جـد معـقـدة ؛ إذ يـكمن تعقيدهـا في عـدم فهم مغــزاهـا وتـحليل طلاسمـهـا ؛ أو تأويل مسبباتهـا ؛ لأنها معلقة بين الحياة والموت وأسئلة الوجود، والتي تجول في أعماق الإنـسان وتفاعـل انـوجاده عـبر التاريخ البشري في سيرورته وديمومته ؛ وتعـقد هـذا الحـتف المفــــاجئ والغـامض جـدا ، هـو نتيجـة تداخل الذاتي بالميتافيزيقي ؛ والموضوعي بالغيبي والغيبي بالذاتي والسحـري والسّـحـري بالموضوعي ؟ وهذا يشير بأن الظاهـرة في حـد ذاتـها خليط من المفاهيم والمعـطيات ؛ التي تجعـلك تتيه في التفسير والتحليل والتركيب ؛ إذ كـيف يضـع المرء حـدا فاصلا لوجـوده الفيزيقي واغتيال شجـرة حياته في رمشــة طـرف
1) تكرار المحاولة الإنتحارية عـدة مرات ؛ إشارة إدراكية؛ بأن المنتحر يدرك ما يفـعـله ولاسيما أنه يقـوم به إراديا ؛ وبوعي حسـب ظرفيته للبحـث عـن هـدف القرار: مثل الشاعـر السوري عبد الباسط الصوفي؛ الذي أقدم على أكثر من محاولة انتحار فاشلة وآخرها في1960 انتحـرشنقًا في غـرفته.
2) اقتناء أداة الإنتـحار : كالشاعر العراقي قاسم جبارة الذي اشترى مسدسًا من إحدى مخازن الخـردوات؛ واستعمله في قتـل نـفسـه .
3) إعـداد أدوات الإنتحار كالسمّ، الحبل، الكرسي؛ الموسى؛ الـبندقية ؛ الرصاص، ومن أبـسط الأدوات وأضعـفها حبل الرحيل (المشنقة) وأعـلاها درجــة ؛ سكب مادة حارقة ؛ ك أحمد العاصي : الذي كانت له محاولة انتحار فاشلة، قبل أن يجدوه في غـرفته منتحرًا سنـة 1930 بعـد أن سكب مادة حارقة على جسده ! وأخطرها إطلاق النار على
نفسه ك الشاعر المصري منير رمزي: عام 1945/ الشاعر العراقي إبراهيم زاير في – بيروت – عام 1972/ اللبناني أنطوان مشحـور في بيروت / 1975/ خليل حاوي سنـة 1982 / فخري أبو السعود المصري أطلق النار على نفسه في حديقة منزله -1940/…./
3) اختيار المكان : فمهما اختلفنا عَـن أبعاد ظاهـرة الانتحار وعـواملها الذاتية أو الموضوعية ؛ فاختيار المكان ليس بالسـهل أو الأمر التافه ، للقيام بالإنجاز الانتحاري؛ فاختياره محصلته : فعـل إرادي؛ وله تهيء أو تخطيط قـبلي ؛ يفرض من خلاله التمييز بين منتحر وآخر في قراره الشخصي؛ كالشاعر السوداني عبد الرحيم أحمد عبد الرحيم الذي حرق جميع قصائده، ومن ثم يرمي بنفسه من نافذة غرفته في الطابق الثالث عشر من مبنى أكاديمية العـلوم السوفيتية عام 1989/ الجزائري عبد الله بو خالفة اختار عجلات القطار عام 1988/ إسماعيل أدهم ألقى بنفسه في البحر على شاطئ الإسكندرية / زاهـرة رابحي أنجـزت قـرارها في جـسر تيليملي الذي يبلغ ارتفاعه ثمانية طوابق تقريبًا، في العاصمة الجـزائرسنة1989/ درية شفيق مؤسسة أول حزب نسائي في مصر، وأصدرت عدداً من المجلات، وساهـمت بشـدة تحـرير المرأة، نهايتها قـفـزت من الدور السادس في شقـتها سنة 1989
4) الإشــعار : المقصود منه أن المقدم على الانتحار؛ يترك ورقة أورسالة؛ دونت فيها أسباب الانتحار؛ وعـدم اتهام أحـد؛ وإعـفاء البحث الجنائي من تضييع الوقت في الأسباب والفـاعل؛ ك = إبراهيم زاير-1972( لقد قررت الانتحار… آسف لإزعاجكم ) إسماعيل أدهـم وجـدت في ملابسه رسالة تؤكد انتحاره بسبب ( سأمه من الحياة ) أما منير رمزى كتب على قصاصة ورق رسالة الأخيرة ( أنــا هـارب ) داليدا تركَـت رسالة تقـول ( الحـياة أصـبحت لا تـطاق سامحـوني ) ومـا أكـثر الرسائل التي تركها المنتحـرون من العــرب أو الأوربيين. وهـذا الإشعـار الخطـي؛ بنوع من التأمل قبل التحليل؛ يزيد تـعـقيدا لظاهـرة الانتحــار التي تنـفـذ بسـرعـة مذهـلة؛ ويتوقـف فيها الزمان ؛ لحظة ؛ بعْـد إيجاد ورقة وقـلم وحـيز للكتابة(كتاب/طاولة / كرسي/ منضدة/ الجـدار/البسيطة/…
6) وكـذا تهـيء أداة الحَـتـف وتوابعهـا ؛ فهَـل كل هـذا يتم تحت تأثير ضغـط نفسي قاتل ومحبط ؟ ممكـن حـسب التفسير النفـسي .( نتيجة = اليأس الإحباط = الانهيار= …) ولكن ألا نـنـظـر للانتحار من زاوية أخـرى ؛ وإن كانت أكثر تـعـقيدا وفـهمـا؛ لها ارتباطا (ب) [ القرين ] وهاتـه لا تناقش ربما لتعارضها مـع المفاهيم الدينية والإيمانية ؛ لأن القرين يتموضع موضع ( الشـر) ؟ – قال الشوكاني : قوله ” فإن معه القرين ” في القاموس : ” القرين ” : المقارن ، والصاحب ، والشيطان المقرون بالإنسان لا
يفارقه ، وهو المراد هـنا . كتاب” نيل الأوطار ” ( 3 / 7 ) فالقرين موجود في / مـع كـل إنسان منذ ولادته ؛ حـسب الطـرح العـقـائدي ، كما هو مثبوت في سورة * ق* : وقال قرينه هـذا مـا لديَ عـتيد ( الآية 23) قال قرينه ربَّنـا مـا أطغيته ولكن كان عـلى ضـلال بعيد( الآيـة 27)
إذ يعتبر حسب التفاسير؛ بأنه شيطان/ جان/ وهـو الـذي يمنع المرء من عمل الخير، ويزين له عمل الشر، ويبقى موكلاً به من ساعة الولادة إلى الموت، ولا يفارقه أبداً. ولكـن نجـد ما هـو متـداول مـنـذ القـدم ( شيطان الشعـر) وفـي هَـــــذا الباب
يقـول – جـرير – :
رأيتُ رُقـى الشيطان لا تستفـزه وقـد كان شيطاني مـن الجـن راقـي
وقبله يقول امرؤ القيس :
تخـيرني الجـن أشعارها فـما شئت من شعـرهن اصطفيتُ
إذن ؛ هـذا يـؤكـد بـأن الشيطان؛ حاضر في كل عمل ( مـا) ويـتسربـل ويتحـرك في مدى أداء الـفعـل البشري عموما، ومـن الطبيعي أن يكون ملازمـا للأدباء والشعـراء ؛ وبالتالي فالعـديد ممن يـربط العـمل الشعـري بأن بـابــه الشـر . فـهذا الربط لما لا يكـون القـرين هــو الفاعـل الحـقيقي للانتحار؛ بحـكـم أنه أراد أن يخـرج من جَـسـد صاحبه ؛ فـلم يجد فككا سـوى الانتحار. ومـن ثمـة فــالجـسـد سـوى أداة لـتـنفيذ لما أقـدم عـليه ( القـرين) أوأوحـى لصاحـبه بالانتحـار.